الصفحة الرئيسية
>
آيـــة
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} تطوف بنا هذه الآية الكريمة في أعماق الشخصية المؤمنة، وتحلل هذه الشخصية لكي تصل بنا إلى سمات أساسية ينبغي على كل من يحمل لقب (مؤمن) أن يتحلى بهذه السمات، فمن سمات هذه الشخصية:
{الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} إنها الارتعاشة الوجدانية التي تنتاب القلب المؤمن حين يذكر بالله في أمر أو نهي فيغشاه جلاله، وتنتفض فيه مخافته، ويتمثل عظمة الله ومهابته، إلى جانب تقصيره هو وذنبه، فينبعث إلى العمل والطاعة، أو كما وصفها أحد السلف _وهو ثابت البناني_ حين قال: إني لأعلم متى يستجاب لي. قالوا: ومن أين يعلم ذاك؟ قال: إذا اقشعر جلدي، ووجل قلبي، وفاضت عيناي، فذاك حين يستجاب لي.
وتأمل معي هذا الاختبار الإيماني الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه _وهو الحارث بن مالك الأنصاري_ فقد ورد أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " كيف أصبحت يا حارث؟ قال: أصبحت مؤمنا حقا. قال: انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها. قال: يا حارث عرفت فالزم ـ ثلاثا ـ".
ومن سمات الشخصية المؤمنة أيضا: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} إن هذا القرآن يتعامل مع القلب البشري بلا واسطة، ولا يحول بينه وبينه شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب ويحجب القلب عنه، فإذا رفع هذا الحجاب بالإيمان وجد القلب حلاوة هذا القرآن، ووجد في إيقاعاته المتكررة زيادة في الإيمان تصل إلى الاطمئنان.
وبهذا الإيمان كانوا يجدون في القرآن ذلك المذاق الخاص، وكانوا يعيشون القرآن فعلا وواقعا، ولا يزاولونه مجرد تذوق وإدراك! ومن ذلك قول أحد الصحابة "كنا نؤتى الإيمان قبل أن نؤتى القرآن.
وهذه العصبة المؤمنة التي تتحرك بهذا القرآن لإعادة إنشاء هذا الدين في واقع الناس هي التي تتذوق القرآن، وتجد في تلاوته ما يزيد قلوبها إيمانا، لأنها ابتداءً مؤمنةٌ، الدين عندها هو الحركة لإقامة هذا الدين بعد الجاهلية التي عادت فطغت على الأرض جميعا... وليس الإيمان عندها بالتمني لكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
ومن سماتها أيضا: {وعلى ربهم يتوكلون} أي لا يرجون سواه... ولا يقصدون إلا إياه...ولا يلوذون إلا بجنابه...ولا يطلبون الحوائج إلا منه...ولا يرغبون إلا إليه...ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن...وأنه المتصرف في الملك لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب.
المزيد |